نهاية الأربعينيات أرسلت بريطانيا ضابطًا محترفًا من قواتها التي عملت في مصر وفلسطين، إلى اليمن، الكولونيل جراي، وهو ضابط محترف اشتهر بكونه قام بتصفية المناضلة الفلسطينية المعروفة رجاء أبو عماشة عند محاولتها رفع العلم الفلسطيني مكان العلم البريطاني أثناء فترة الإنتداب البريطاني لفلسطين. وصل الضابط والكولونيل البريطاني الى جنوب اليمن، بغرض فرض حلول حاسمة لمحاولات القبائل التمرد على القوات الإنجليزية، ليتولى الرجل قيادة جيش البادية، المسيطر على مناطق حضرموت بشكل خاص، لعدة سنوات بعد اندلاع ثورة 14 اكتوبر واستمرارها في الجر والفر مع القوات البريطانية، حتى عام 1966مـ تمت تصفيته بعدها، وتحديدًا بتاريخ 28 يوليو، حيننا قام شباب فدائيون من حضرموت باغتياله، ليصبح الأمر بالنسبه للبريطانيين تحد كبير، قاموا بعدها بإرسال أشرس ضباطهم، المدعو الكولونيل جامبل ميتش الملقب بالضابط ميتش المجنون، وهو كولونيل بريطاني حارب بقواته المسماة الشياطين الحمر، في أغلب مستعمرات بريطانيا، ارسلت بريطانيا بهدف تنفيذ انتقامات ميدانية بدءً بعملية نوعية لاستعادة مدينة كريتر في عدن، ليقوم المجنون البريطاني بحضار كريتر مرتكبًا مجازر بشعة ومجازر مروعة، وتحديدًا بتاريخ 20 يونيو 1967، ليسطير على كريتر ويعيدها لمستعمراتهم، بعد إخماده للتمرد المحلي في المدينة، ليسجل بذلك فعلًا استراتيجيًا بالنسبة للإنجليز، بعدها كتبت عنه الصحف البريطانية والمراسلين الصحفيين جاعلين منه بطلًا قوميًا ما أنتج له شهرة عارمة في قلوب البريطانيين.
بعدها بأشهر، أعلنت بريطانيا إجلاء قواتها من عدن، وفي 30 نوفمبر 1967 غادر أخر جنودها، بعدما انتقموا لجنودهم وضباطهم بواشطة قوات الشياطين الحمر، لتمر عليهم سنوات، حتى عام 1981 حيث فتحت صحيفة صنداي ميل، تحقيقًا صحفيًا، عن جرائم قوات الشياطين الحمر في عدن، بعد عامين التحقيق تم رفع دعوى قضائية تجاه قائدها "ميتش" لتتحول القضية آنذاك لردات فعل أخلاقية، دون نتائج ملموسة، حتى عام 1996 حينما توفي الكولونيل المجنون ميتش فائد عملية استعادة عدن عن عمر يناهز السبعين، لتنتهز الفرصة الصحف البريطانية وتفتح ملفات بطولاته وجرائمه، لتصبح القضية دات شأن بالمراقبين والمتابعين.
لقد وصفته الصحف قائلة بأن الكولونيل المجنون وظف كل خبراته في حروب بلاده بمستعمراتها المنتشرة بإيطاليا وبورينو وكوريا وقبرص وكينيا والصومال وفلسطين ودول أخرى، وفي القدس تعرض لمحاولة اغتيال بتفجير كبير بفندق الملك داوود حينما كان يلتقي بعدة ضباط بريطانيين، لكنه يعتبر ضابطًا منيرًا للجدل بالرغم من حيازته لعشرات الأوسمة لبطولته في استعادة كريتر وحدها، لكنه بعد عودته لبريطانيا عانى من حالة نفسية متأزمة، فحاول أن يترشح لمجلس الشعب وفشل، ثم عمل مستشارًا لفترات متلاحقة، ثم عمل مدربًا لقوات طالبان في أفغانستان المعنية بمهاجمة السوفيت، وهكذا حتى توفي عام 96.
الشاهد هنا، أنه قبل وفاته، كتب معتذرًا عن الجرائم التي ارتكبها في كريتر على وجه الخصوص، المجنون جامبو ميتش كتب رسالة مطولة لإحدى الصحف قال فيها: هناك عدد كبير من العرب هم اليوم على قيد الحياة وكذلك عدد كبير من قوات الأرجيل لا تزال على قيد الحياة والسبب في ذلك يعود إلى الأساليب التي اتخذناها في كريتر، إنني أتمنى من الجميع مسامحتي، أتمنى أن يرحم الله ضحاياي.
تعليقات
إرسال تعليق