"تجربة الحصار" بين الصمود والهزيمة.

 "تجربة الحصار"

بين الصمود والهزيمة. 

 

دعوني أتحدث اليوم كخبير في العاطفة الجامعة للبشر المحاصرين في ذات الجغرافيا الواحدة، العاطفة حينما تحدث كغرض عسكري يصنع الهزيمة، لكنه يصير سببًا أخر للإنتصار، معتمدًا على متابعتي القريبة لسيناريو الحرب اليمنية منذ بداياتها، بدءًا من حصار عمران، ومرورًا بحصار صنعاء، الى حصار حجور وميدي والدريهمي وإنتهاءً اليوم بحصار العبدية، عن أشكال حربية أبتكرت للحسم السريع، فتحولت مع التجارب السابقة الى عوامل إستثنائية يمكنها إحداث الإنتصار، كيف ذلك؟! سأخبركم الأن.. 


إن المتابع لسيناريو الحرب اليمنية منذ بداياتها، ليدرك جيدًا أن أسلوب الحصار الشامل للمدن والمديريات قبل إقتحامها يعد شكلًا حربيًا مهمًا يُسرع في سقوط الجغرافيات المحاصرة، بمعنى أن التطويق والإغلاق والمنع التام للدخول والخروج والإجلاء الطبي، مع منع إيصال المواد الحيوية والصحية، بغرض التعجيل في فرض خيارات الإستسلام السريع والإنهيار العسكري للمسيطرين على المناطق الجغرافيا، يُعد أبرز أسلوب عسكري تستخدمه قوات صنعاء منذ أعوام، تمامًا كما حدث في الإنهيار المفاجئ لقوات هادي ومقاتلية في محافظة البيضاء قبل أشهر أمام قوات المهاجمين، هذا السيناريو أثبت فاعليته في كثير من المناطق التي سيطرت عليها قوات صنعاء، ومازال ذات الأسلوب يتكرر اليوم في مناطق أخرى مثل العبدية بمأرب، ولكنه يحدث حاليًا بشكل مغاير وسردية مختلفة قد تفتعل نتائج مختلفة على الأرض والمقاتلين.. 


فعلى الرغم من الهجمات العنيفة التي شنتها قوات صنعاء على مديرية حجور بمحافظة حجة قبل أعوام، الاّ أنها صمدت آنذاك لأكثر من سبعة أشهر، في حالة أوضحت بالفعل إرادة إستثنائية أبت الاستسلام السريع والإنهيار المفاجئ وقاومت الحصار العسكري والمعارك في أطرافها لعدة أشهر متلاحقة. في حالة القت بظلالها لاحقًا، بعد أن صدمت قوات المهاجمين ما أضطرهم لإستخدام الحسم الحتمي بشكل عسكري مهول، لأنهم يدركون جيدًا عواقب التأخير على مستوى بقية المناطق اللاحقة، وفي الحقيقة مثل عجز القوات المهاجمة والمطوقة لحجور طيلة أشهر طويلة، دافعًا أخر لمديريات أخرى للذهاب بعيدًا في رفضها للإستسلام أمام القوات المهاجمة أيًا كان حجمها أو تشكيلاتها، وهذا ما حدث لاحقًا في مديرية الدريهمي، بغض النظر عن المهاجم، والمدافع، لأنها فلسفة تشمل الجميع في ثنايا الحروب والتطويق، فحينما قاومت الدريهمي الحصار الشامل لقرابة العامين وأكثر، أثبتت عجز حتمية السقوط والإنهيار في حالات الحصار، وهي حالة متكررة أنتجت الشعور المتفاقم لفكرة الصمود لتتحول على ما يبدو لتنافس مناطقي بين كثير من الجغرافيات الأخرى، خصوصًا في الأعوام الأخيرة من الحرب، وهذا ما يحدث اليوم في مديرية العبدية بمحافظة مأرب.. 


من المعلوم حديثًا، أن قوات صنعاء ولجانها الشعبية تفرض حصارًا تامًا على مديرية العبدية بمحافظة مأرب، ضمن حربها الشاملة للسيطرة على المدينة، حصار العبدية اليوم يتكرر كسيناريو مشابه لما حدث في السابق، لكنه يبدو مختلفًا من حيث ضرورة الإستسلام والسقوط، فعندما يستطيع بضعة الاف منع القوات المهاجمة من الوصول والسيطرة لعدة أسابيع وربما لعدة أشهر، قادمة سيتحول الأمر الى إنتصار عاطفي وشعوري سيعيد تشكيل العاطفة القتالية لدى مقاتلي المناطق اللاحقة، بمعنى أن كسر حتمية الإنهزام، سيتحول الى إمكانية إنتصار لدى المقاتلين الأخرين، هذا ما سيفكر به مئات الألاف من سكان مأرب بعد إنتصار بضعة الاف في العبدية، وهو ما سيتحول لشعور متفائل بالقدرة على المواجهة الشاملة، وبالفعل هذا السيناريو ما سيجعل قوات صنعاء أمام خيارين، إما حسم العبدية، أو مواجهة الأثر اللاحق لسردية الصمود الإستثنائي الناتج عن صمود مديرية العبدية.. 


ماجد زايد

تعليقات