الإغتيال السياسي..
10.أكتوبر. 2020
في ذلك اليوم -إحتفائية الذكرى السنوية لإغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي- قبل عام ونص تقريبًا، طلب الحاج محمد الحمدي الادلاء بـتصريحه الأخير حول شقيقه المغدور قديمًا، أراد ذلك تبرئة لذمته وضميره والشعب -أو كما يقول-، يومها كنت حاضرًا ضمن المشاركين، وسبق أن كتبت عن الفعالية وما حدث فيها، لكنه تجديد لتراثنا المغدور..!
يومها إنتهى الجميع من خطاباتهم وكلماتهم وهتافاتهم وقصائدهم وتباهيهم بتباكيهم أمام بعضهم، وبينما الفعالية الخطابية على مشارفها.. وقف الحاج محمد الحمدي -الشقيق الأكبر للرئيس إبراهيم الحمدي- بعكازته مُنحنيًا من مكانه بشكل مفاجئ وقال أريد قول شيء أخير، تقدم بشيخوخته تلك صوب المنصة، أتذكره جيدًا يومها، كاد أن يقع قبل وصول المنصة، لكنهم لحقوه ووضعوا له كرسيًا في المنتصف ليبدأ الحديث، تهافتنا جميعًا لسماعه وإقتربنا منه ووقفنا أمامه تمامًا وهو يقول لمراسلي القنوات المتزاحمين عليه:
أشتي أبرئ ذمتي قبل ما أموت أمام الله والشعب، الله يرحم إبراهيم، تحالفوا عليه كلهم وغدرو به، أخر شيء بيني وبين إبراهيم أنهو جاني قبل ما يقتلوه بيومين وقلي بايسافر عدن يوقع على اتفاق الوحدة اليمنية بين الشطرين الشمالي والجنوبي مع سالم ربيع علي، بعدما قد أتفقوا وسدوا على كل شيء.. وانا سألته كيف أتكون السلطة بعد الوحدة يا ابراهيم؟! قال: أتفقنا يكون سالم ربيع هو الرئيس، وهذا أهم حاجة، بعدا سألته وأنت أيش با تكون، قال عادنا ولا شي، أتفقنا على الرئاسة وأنا موافق وهو يستحقها، وانا شاقع أي حاجة، مستشار او اي شي، أهم شيء تتوحد البلاد، وعادحنا با نتكلم بعد بكرة حن نلتقي في عدن...!
كانت ملامح البكاء بادية على ملامح عينيه بينما يحبس دموعه وكبرياءه في حضرة الخالدين.. خاتمًا تصريحه بالقول:
إبراهيم كان واحد من الشعب هذا، واحد داري بالناس وبحالهم ووضعهم، لكنهم قتلوه وغدروه واتهموه وشوهوا سمعته على شان السلطة، وهو ولا كان يشتي سلطة ولا شي، كان همه الوحيد والدائم الوحدة والشعب اليمني..
<سبق وأن كتبت عن هذا الأمر أيضًا>
في المحصلة بقي الرئيس المغدور إبراهيم الحمدي رمزًا وبطلًا شعبويًا في ذاكرة اليمنيين الأشمل، خُلد حبه في خيالات الناس للأبد، حب خالص بلا خلافات أو تناقضات أو جدال تاريخي عقيم، هذا فخر عظيم وعرفان بما فيه الكفاية..!
هؤلاء القادة لا يكونون كذلك الا إذا غلبوا إنتمائهم لأوطانهم على كل الإنتماءات الأخرى، والحمدي أوحد هؤلاء في تاريخنا اليمني، لطالما تفانى حد الإنكار الكلي للذات في حب وطنه ومواطنيه دون تمييز على أي أساس.. لهذا أحبه الناس دون تمييز أيضًا وخلدوه في تاريخهم للأبد.
وللأمانة الصحفية المرتبطة بجراءة الطرح والنقل، سأقول لكم هذا:
في إحدى المحاضرات المغللقة لتنظيمهم، كان أحد السياسيين ورجال الدين المعروفين قديمًا وحديثًا ضمن تنظيم الأخوان يتحدث عن قضية إغتيال إبراهيم الحمدي، كان يبرر تحالف القبيلة والدين والعسكر، يومها قال بالنص وأنا أستمع: إن موت إبراهيم الحمدي أمرًا كان فيه خير وضرورة حتمية لابد منها في تلك المرحلة، خصوصاً مع أفكاره البعيدة كليًا عن الإسلام وتعاليمه وعداوته المبطنة للإسلام والخلافة والحركة الإسلامية في اليمن والعالم العربي، لا تحزنوا عليه فقد سهل الله للإسلام بموته أشياءًا كثيرة..!
هذا ما قاله الرجل بالفعل.. القيادي العميق واللسان المطعفر للشفوت في كل محاضراته، اللسان المغلف بعقل سطحي ممذهب يقول الحقائق بلا قصد أو تذاكي، هذه حقيقة، وهذا لا يعني بالضرورة تجريم الفكر والتوجه والمنتميين له أو الموالين لغايته، بقدر ماهو تلخيص عام عن كيفية رؤية القيادات الدينية لنفسها في تلك الفترة وما بعدها، كانت بالفعل تحسب ذاتها وشخصها الدين والإسلام، وربما شعرت أيضًا بكونها إله يقرر ما يشاء..! وهذا ماحدث لبعضهم في فترات زمنية معروفة..!
بالمناسبة، <سبق وأن كتبت عن هذا الأمر أيضًا>
أخيرًا..
هذه العظمة التي يحتلها الحمدي في قلوب الشعب وهوية الوطن وتاريخ الأجيال ليست بالأمر الهيّن والبسيط، هي عظمة وخلود ورمزية تشكلت وتزايدت وتجددت في زمن أجمع فيه الكثير من الناس على بطولته ووطنيته، في ذات الفترات والزمن الذي إختلفوا فيه حول أسماء وماهيّة قاتليه، لكنهم وبالرغم من هذا يعرفونهم جيدًا بلا مقدمات، ويعرفون خلافاته مع نظام الشيطان المرتبط بالدين والقبيلة والعسكر.
وبلا شك، جميع السياسيين والعسكر والمشائخ قد ماتوا وتغيرت بعدهم الموازين.. ولكن الحمدي بقي بطلًا ورمزًا خالدًا في ذاكرة اليمنيين گقائد الحلم ودولة المساكين. هذا البقاء وهذا الفخر وهذا الحب المتواتر بالتناقل مرتبط بملامحه وشكله ونداءه المتكرر للشعب قبل كل خطاب.
رحم الله الرئيس إبراهيم الحمدي..
ورحم الله الرئيس سالم ربيع علي..
كانا مشروعًا واحدًا ليمنٍ عظيم، يمن يتساوى فيه المواطن المسكين بالسياسيين والعسكر ومشائخ القبائل، ولكن الأوغاد أكثر وأوسخ في تاريخنا اليمني..!
عليهم السلام وعلى قلوبنا الرحمة.
ماجد زايد
تعليقات
إرسال تعليق