"عالمان متداخلان"

اليوم، أصبح لدينا عالمان حقيقيان ومتداخلان ببعضهما، بغض النظر عن واقعية كلًا منهما، الاّ أنهما بالفعل صارا واقعًا يعيشه البشر عن بكرة أبيهم في هذا الزمان، عالم الواقع وعالم الإفتراض، ومنهما تتشكل الحقيقة والحياة، ويحدث المستقبل وتتنوع الأفكار، الحياة بشكلها الدائري، ذات الخطوط المتقابلة والمترابطة، والمستقبل المتشكل من عالمان لا ينفصل أحدهما عن الأخر أبدًا.. ونقطة التحول بينهما تقع في تقاطع دائرة من الزمان مع بعضها، واللحظة التي تسمح بممارسة الحياة في إتجاه واحد أو إتجاه أخر هي في الأصل حياة واحدة لشخص واحد وواقع واحد..

الخط الذي يقابل نفسه في دائرة "ميتا" بشعار فيسبوك هو ما نحن فيه الأن وما نعيشه مع بعضنا عن بعد، وفي ذات الدائرة يوجد مساران محتملان، على الحافة الخارجية للخط، وعلى الحافة الداخلية للخط، وفي الحقيقة هو ذاته الخط في كلا الإتجاهين، لواقعين متداخين وحياة واحدة، هذا هو واقع ومستقبل البشرية، وهذه مسارات المستقبل والحياة القادمة، ولو تأملتم قليلًا، في أحد مسارات الدائرة المترابطة لدينا حياة بمعطيات معينة، معطيات ملموسة ومجردة ومادية، وفي المسار الأخر لدينا حياة أخرى لذات الحياة الأضلية كأنهما خط واحد يذهب ويعود، وفي كلا الإحتمالين تتكرر وتستمر المسارات في الدائرة ذاتها، هكذا مرارًا وتكرارًا، وكل منهما يحفز الأخر، ليتشابك الكم، وتصير الحياة ذاتها عبر مزيجين من واقع وإفتراض، هذا التشابك الكمي لن يستطيع أحد بعد اليوم فصله أو إبعاده عن بعضه، التشابك الكمي بين المسارين والحياتين والواقع البشري المترابط في حياة الناس، كسر التشابك أمر مستحيل، لذا صار لنا عالمان متشابكان لحياة واحدة، عالمان لا يمكن أن ينفصلان عن بعضهما أبدًا أو قطعًا، والذكي منا من يفهم هذه المسارات والترابطات والتشابكات ويتكيف بناءًا عليها، لأن كل خطوة منها ترشدنا الى ذاتها، لتعود علينا في شكل ممارساتنا وحياتنا، لهذا لا يمكن أن يهرب البشر من قدرهم أو مستقبلهم، وهو ما يدركه العالم المتقدم بشكل عام، وما يفعله فيسبوك بشكل خاص..

دائرة ميتا تعني تشابك الكم، أي تشابك كل شيء في دائرة واحدة، وهي دائرة لعوالم فيسبوك وواتساب وأنستجرام وبقية التطبيقات العالمية، وهي ذاتها من يجمع الكل المترابط، دون قدرة أحد على فك الإرتباط بينها..

هذا الشعار "ميتا" ذكي، وذكي جدًا، وطموح، ومتقدم كثيرًا في تلخيص أهداف "مارك زوكربيرغ" وأغراضه من التجديد والإبتكار، وهو يعكس بالفعل فهم كازنبرغ المتقدم لطبيعة العالم والبشر والواقع الحالي، والمستقبل الذي سيغلب عليه الإفتراض أكثر وأكثر وأكثر، وفيه سيذهب البشر جميعًا من واقعهم الإرغامي، الى صناعة عالمهم الأخر في حياتهم الأساسية وبشكلها الذي يريدون، لتصبح حياتهم في أصلها عالمان وشكلان مترابطان للأبد..

بالمناسبة الفكرة والشعار مأخوذتان من فيلسوف ألماني، مسروقة بشكل إحترافي، ربما عن نيتشة عندما كان يتحدث حول عدة عوالم مترابطة بعالمنا الوحيد، ويشكل أوضح جاءت فكرة الشعار من مسلسل "دارك" الألماني، في موسمه الثالث، وتحديدًا بالدقيقة 23 من الحلقة السادسة، الصورة أدناه للشعار وشرحها، تمامًا كما شرحها رئيس شركة فيسبوك "مارك زوكربيرغ" يوم أن أطلق الشعار، تأكدوا من كلامي،  وفي الحقيقة فيسبوك حولها لواقع أكثر، وطبقها بشكل متجرد أكثر، بعيدًا عن إلهامات الخيال السينمائي والفلسفي المحير..


ماجد زايد

تعليقات