فلسفة الجمال الحرازي..

هل تسائلتم يومًا لماذا تغنى الشعراء والفنانون بالمرأة الحرازية، ليتحول الأمر الى فلسفة شائعة تمثل ذروة التفكير العقلي تجاه الجمال والمرأة والفنّ والذوق والطبيعة في اليمن؟! يوسف البدجي غنى قبل عام وقال: قمري حراز عندي دواء جروحك.. أبشر على قبلة ترد روحك.. وقبلها غنى الفنان حسين محب قائلًا: أهواك يا قمري حراز.. وأحب مودك والطراز.. وغنى أيضًا: حراز حراز يا عالية حيودش.. والله لوما الخل ما أعودش.. وغنى الفنان خالد الأمير وصال: حراز حراز يا ليتني حرازي.. وغيرهم الكثير والكثير من الشعراء والفنانين..

الشاعر أو الفنان مهما أمتلك عمقًا عقليًا، فإن قلبه يكون أعمق، أعني عندما يتفلسف بالجمال أو من خلال الجماليّات، فإن نبضات قلبه وحرارة أحاسيسه هي التي تنفرد في تنظيم موجة الفكرة، وهذا ما يجعله يمتلك عالمًا خيالياً خصبًا، أمَّا في الواقعية، فإن ذاتية الشاعر تسيطر عليها العاطفة والوجدان، وما يتصل بالفؤاد ويتعلق به، الحق، إذا اعتنق الشاعر فكرة ما أو عرف مذهبًا جماليًا سائدًا، فإنه من الطبيعي أن يعكس فيه منظارًا جماليًا يتغنى فيه دونما توقف..

الإنسان الحرازي بمظهره وسلالته وميوله للسلام يحمل أرقى أنواع الجمال والبهاء الأخاذ، هو مستوحى من كرم الطبيعة وعذوبتها.. هذا أل الجنال فيها، للجمال الحرازي تاريخ وحضارة وعصور لم تنتهي ولن تنتهي وستبقى للأبد، القمر فيها يخجل من عذوبة الأنثى وجمالها الآسِر الفريد من ربوع جبالها الوعرة..لكنهم تناسوا هذا بالفعل، تناسوا شيئًا أهم بكثير من فكرة الجمال الأنثوي، الجمال الطبيعي للطبيهة والمكان، هو في حقيقته ما أنتج جمال النوع البشري، وهنا تأتي فكرة الجمال الحقيقي في حراز، أو فكرة التغني بشموخ الجبال المحاذية للسحاب.. بمعنى أن تعيش مُحرزًا من معظم الشرور والأعداء.. أن تسكن عاليًا بالقرب من السماء. الطبيعة في أبهى حلة، والجمال الأنثوي بأرقى توصيف، مياه عذبة، وهواء نقي، وشلالات تنهمر، وأنهار تجري من تحتك وجوارك، وبنيان مرفوع حتى عنان السماء، روح من الله صاغت المكان وتلمست زواياه..

الناس فيها يعملون بأرضهم طيلة النهار، يأكلون من خيرها ومن شقاء أيديهم، يعيشون بصفاء بعيد تمامًا عن زيف المدينة ومستحضراتها الطاغية على حياة الهدوء والطبيعة، يزرعون البن واللوز والبطاط والطماط والفاصولياء ويسقون زرعهم بالمطر لا سواه، لا يملون من أرضهم أو يتوقفون عنها، وهي أيضًا لا تتوقف عن إعطاءهم خيرها وبركاتها وسلامها..

في حراز شكل الحياة يشبه الى حد ما الريف الأوروبي في تحضره وبنيته، تتجول فيها كأنك سائر بشوارع أزمير التركية، وبالقرب من ضريح جلال الدين الرومي في قداسته وخشوع المكان.. جميلة متحضرة متألفة متأخية قرى الشرق من حراز المستندة الى جبل عظيم مطل على سواحل البحر الأحمر، جبل أطلق عليه "الجبل" في تسميته وتعريف الناس له، وفي الناحية الأخرى منه على الغرب تقع الهجرة وهوزن والمزانعة والبشاول والثلث وعرجز وقرى كثيرة، قرى تحيطها الوديان والشلالات والبساط الريفي الأخضر النقي، يعيش الناس فيهر أعالي المرتفعات الشاهقة يشاهدون حقولهم المنطوية أسفل المرتفعات المنحدرة من رأس الجبل.. الله ما أجمل الريف والحياة فيها..!!

في حراز يبتسم الأهالي ويرحبون بالزائرين، هكذا كل يوم، تعودوا على الكثير منهم يوميًا، يقولون في ذروة ترحيباتهم وأحاديثهم: أهلاً بكم.. هنا سكن الأجداد منذ قرابة الألف عام، بنوا هذه القلاع والبيوت على حواف الجبال حتى بلغوا عنان السماء، في هذه القرية الفريدة سكن أجدادنا يوم كانوا مهاجرين، كانوا سيغادرون حتى أغرتهم الإرض والطبيعة بالبقاء، بعدها جاء الأخرين، وعاشوا فيها وتنازلوا عن كل شيء سواها، لهذا أطلق على إحدى مناطقها "الهجرة" واليوم أيضًا هي تستقبل الزوار وتبتسم للمهاجرين من طريقها، أهلاً بكم في مدينة الجبال والسماء.. أهلاً بكم في بلاد الجمال والطيبين..!

تحيط بحراز سلسلة من المرتفعات الجبلية لا تكاد تنتهي، وتبعد مسافتها عن العاصمة قرابة الساعتين والنصف، وحرزها وصعوبتها ينافس الى حد ما جبال البلقان وسلاسل الهملايا، طرقها معبدة حتى أخمص القرى البعيدة، بعيدًا الى أعالي الجبال المجاورة للسماء..

حكاية حراز لا تنتهي على الأطلاق، هي تتجدد في سردها كل يوم، ومن لم يأتها أو يفكر بها ينقصه شيء من الحياة، شيء لا يعوض أو يتكرر، وجود لا يعود، دموعك فيها ستنهمر حتمًا بمجرد تفكيرك بالمغادرة، قطرات المطر ستبكي تودعك، ورداء أبيض يلتف حولها من الضباب يقول في صمته:  وداعاً أيها الزوار..!!
ستعودون حتماً اليّ..
هذا الرداء الأبيض الذي لا ينتهي يغشى ملامح حراز عند كل مساء، هو حرز من الله كلما جاء الظلام..

هذه حراز البهية والجبال الشامخة..

ماجد زايد

تعليقات