الإنهزام السياسي، حميد الأحمر أنموذجًا..

بغض النظر عن مضمون التشفي والرضوخ، أكثر ما لفتني في رسالة حميد الأحمر الى طارق صالح، قناعته المختلفة جدًا عن ماضيه المتعالي، ماضي العبارات الرنانة والتباهي المتجاوز لمؤسسات الدولة والنظام إبان الثورة والشكل المؤسسي القائم بكل جنباته ومعانيه، ولتلك العبارات التي كان يتباهى بها أمام اليمنيين عن نفوذ قبيلته وتنظيمه وأحلامه السياسية، النفوذ الذي أهلك الدولة وأسقطها تمامًا..

حميد الأحمر، القيادي الإصلاحي والقبلي اليمني، تغير بالفعل وفقد الثقة المطلقة بإرثه القديم، وصار سياسيًا أخر يشاهده الشعب بنوع من الشفقة والإستغراب، بعد سنوات طويلة قضاها نزقًا ومهاجمًا ومخونًا للأخرين، سنوات الجاه والثروة والأحلام والرئاسة والنفوذ الراديكالي الممزوج بقوة القبيلة والمال والتجمع اليمني للأصلاح، كيف أصبح اليوم؟ وعن أي كلمات يرسلها مستنجدًا ببزة العسكر وقوات المقاتلين، كلمات وعبارات قد تعيد له ثقة الماضي وأمنياته للمستقبل؟!

لقد أخفق حميد الأحمر في كل شيء ولم يعد بجعبته شيء من تلك العنتريات والخطابات والتحديات، الحرب بمعطياتها المغايرة أصابته بحالة من الإنهزام لا يتمناها أحد من قادات السياسة في أي زمان ومكان، وهذه أبرز فضائل الإنهيار التام للدولة، إنهيار كارثي أسقط في ثناياه كل المتعجرفين والموبوئين بثرواتهم وقبائلهم ونزواتهم المغشوشة، لقد تحولت عباراته الماضوية إلى لغة مهزوزة تعكس حالة الذل والخوف والخنوع والمصير الأسيف، كأنه في رسالته الأخيرة يرسم نصه الجريء "اعترافات العمر الخائب" بالحزن الرمادي والانكسار الممزوج بالخيبة والخذلان والأسى الفارغ من عبارات الزمن الفائت.

"هذا هو الواقع" عبارة صادقة قالها حميد الأحمر في رسالة إستنجاده بأعداءه القداما ومنقذيه القادمين، أعداء الضرر الأخف والدولة القائمة، رسالة الأحمر تلخص صورة واقعية عن قصيدة الإنهزام بكافة ملامحها، عن شاعر أسقطه الغرور وجعل منه عبرة للسائرين هنا وهناك، شاعر يعترف أخيرًا، وقصيدة تشرح الخلاصة بينما تقول في ثناياها الواضحة والحزينة:
إذا خسرنا الحربَ لا غرابة
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابة
بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابة
السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخمُ من أصواتنا
وسيفُنا أطولُ من قاماتنا..
يا وطني الحزين..
أنا خائف من هول انسحاق القلب، ومن طعم الهزيمة..

يا لذكرى الإنهزام والشفقة..
لعله خير..

ماجد زايد

تعليقات