في زمن الحرب.. من هو المثقف الحقيقي؟!

لمجرد الرد فقط، من هو "المثقف البسيط" الذي أقصده..؟!
شخصيًا هو أنا، وبالطبع هو بعيد عن الغرور والأنا، لكنه صدا يبعث على الأمل والتفاؤل وربما المزيد من الرغبة الجامحة للإستمرار أكثر، بغض النظر عن معرفتهم لك من عدمه يكفي وصول الأثر وصداه في كل مرة، وهذا يحدث بفضل سهولة الوصول، أما معرفيًا وبشكل عام "المثقف البسيط" المقصود هو المواطن المثقف بشتى مستوياته المعرفية، المثقف المسؤول أخلاقيًا ووطنيًا وإنسانيًا، وهنا تذكرت المفكر الايطالي الماركسي انطونيو غرامشي بينما يقول: جميع الناس مثقفون بطريقة معرفية أو بأخرى ولكنهم لا يملكون الصفة الاجتماعية الرمزية للمثقفين وهم بهذا الأساس أي (المعلمون، الفلاحون، العمال، الحرفيون …) مثقفون تقليديون يملكون ثقافة مهنية بحسب طبيعة عملهم وينقلون ثقافة متواترة من جيل إلى أخر. إلى جانب هذا يوجد "المثقف العضوي القادم والمنتمي للبساطة" الذي يملك القدرة المعرفية وملكة التفكير والرؤية الاستشرافية ويحمل هموم المجتمع والأمة وينطلق في كل مرة منهم وإليهم -وبتعبير يساري هموم الطبقات الكادحة العمال والفلاحين ويسمع صوت المضطهدين- ويدافع عن القيم ويؤسس بذلك الأرضية الصلبة لتماسك القواعد الإجتماعية ويمارس الفعل الإجتماعي المنبثق عن الواقع، هو هنا بلا شك ضمير الأمة والناس والعوام والصوت المعبر عن طموحاتها وقيمها الاجتماعية..

وهنا يذهب المفكر المغربي "عبد الله العروي" الى أن مسؤولية الإنسداد السياسي والإجتماعي في العالم العربي لا تقع على السياسي لخضوعه للإكراهات السياسية والضغوط الداخلية والخارجية، كما لا تقع على المواطن البسيط الذي يخضع للاكراهات الإجتماعية ومتطلبات المعيشة وهمومها، لكنها -أي  المسؤولية- تقع على عاتق المثقف بوصفه مستقلًا عن جميع الإكراهات ومنتجًا المعرفة والرمزية المرتبطة دائمًا بذهن العامة كون المثقف يملك جزءًا لابد منه من الحقيقة.

ومن ناحية أخرى، المهمة الحاسمة للمثقف والكاتب وفق “رومان رولان” الحاصل على نوبل للآداب، تهدف للمصالحة العامة، وأنسنة الحرب، وإحترام العدو، والتحضير لسلام مستدام، وإذابة جميع أشكال الكراهية، عوضًا عن الإنسياق الأعمى وراء النزاعات الشوفينية المجنونة. أما التحدي الفكري فيتمثل في بقاء المثقف المسؤول ملتزمًا بالمثل العليا، وبـ قيم الحرية والعدالة الاجتماعية، وبتعابير الناس والعوام وتطلعاتهم، وفهم الآخرين، ورفض تعميم الحقائق أو تشويهها، والسعي لمنع الانهيار التام والإنتحار الشامل أو ما يصفه رولان: “لأكثر من أربعين قرنا كان جهد العقول العظيمة التي حققت الحرية يتمثل في توصيل هذه النعمة للآخرين، وتحرير الإنسانية، وتعليم الناس كيفية رؤية الواقع دون خوف أو خطأ. والنظر لأنفسهم في المرآة بنظرة خالية من الافتخار الكاذب أو التواضع الزائف، والاعتراف بضعفهم وبقوتهم، ليكون بمقدورهم معرفة وضعيتهم الحقيقية في الكون.

لهذا..
تنازل المثقف وتنحيه عن مهمته الفكرية والتاريخية والوطنية في هذه الفترات وفق  "رولان” يعني الإستسلام والتخلي عن المسؤولية العقلانية والأخلاقية في لحظة مفصلية يسيطر عليها جنون الحرب والإنتقام، وهي بالضرورة كارثة لا تنتهي حتى يأتي المثقف المفكر رافضًا الانحياز لأي طرف من جانبي المعركة، فقط لأنه يؤمن بالإنسانية وسمو الحضارة..!

ماجد زايد.

تعليقات