"العبور بإتجاه الموت!" الطريق الصحراوي بين صنعاء، الجوف، مأرب..

لطالما سافرت بين صنعاء، ومأرب، عبر الصحراء الواصلة بين الجوف والرويك والعلمان بإتجاه المجمع الماربي، كنوع من الإختصار الزمني عن طريق البيضاء- صنعاء الطويل والبعيد، وهذا ما سلكه ويسلكه معظم اليمنيون في تنقلاتهم وسفرياتهم بين ظفتي الجغرافيا المتحاربة، سأحكي كامل التفاصيل عن هذه الطريق وخباياها، ولكن دعوني أخبركم حكاية مازن، هذا الفتى الصغير والبريء، كان عائدًا بالأمس من المهرة بصحبة رفيقه صوب صنعاء، لتقوم عصابة إعتادت على القتل والنهب والتقطع بإطلاق النار عليه، بدم بارد، وشر متكرر، لتصيبه بطلقه دخلت من ظهره وفجرت جسده حتى خرجت من الصدر، ليردوه قتيلًا في صحراء وعرة ومتروكة، بلا ضمير، وبلا دوله تلاحقهم وتقتص من رقابهم، قتلوه بلا تردد لأنه مجرد يمني حاول عبور طريق العودة الى منزله، قُتل مازن وإنتهت حكايته، كما إنتهت الى الأبد حكايات الكثير من اليمنيين المغدورين في ساحات وطرق الوطن البعيدة والقريبة، إنتهت الحكاية الى الأبد.. ولكن الله في أعلى سماواته يعلم جيدًا ماذا جرى ويجري هناك، في تلك الأماكن الخالية من كل الشهود والعابرين، الله سيتكفل بهم، من علياءه، وهو من سيتكفل ببقية الحكاية والمجرمين.. رحمة الله عليك يا نزار.. لك الخلود والجنة، وروحك باقية كمعجزة لن تترك المجرمين أو تتنازل عنهم، سيتكفل الله بهم يا نزار ولن يتركهم، هذا رجاءنا وخالص دعواتنا..

إستهلال الطريق..

في نهم إبان سيطرت قوات هادي على الطريق الإسفلتية بقيت الطريق مقطوعة أمام الناس تمامًا، ولا يمكن أمامها حتى عبور الصحراء الواصلة بين الجوف ومأرب، هكذا لـ ست سنوات كاملة، ظلوا يغلقون الطريق هناك بلا أي فائدة أو أخلاق، ولكن، وبمجرد أن غادروا منها فتحت الطريق أمام المسافرين والذاهبين أو القادمين، ليجد الناس أمامهم طريقًا مفتوحًا صوب مفرق الجوف ومنه عبر الصحراء صوب مأرب.. كان هذا الحدث من أهم الإجراءات التي سهلت حركة تنقلات الناس والمسافرين والبضائع التجارية وفي غضون ست ساعات فقط، مع إستمرارية القتال في أطراف الطريق الواصل بين صنعاء ومأرب من جهة مأرب، إستمرارية إنقطاع الطريق حتى اليوم بفعل المعارك الجارية فيه.. وهي الطريق التي لا يتجاوز السفر عبرها ساعتين ليس الّا..

طريق مختصرة..

أوجد اليمنيون لأنفسهم طريقًا إستثنائية غير معبدة أو مهيئة للسفر، تجنبًا للمسافات الطويلة، والعراقيل المصطنعة في خطوط السير المعروفة، كانت الطريق الى مأرب أو شبوة أو سيئون تأخذ أيامًا عبر طريق البيضاء، بعد أن كانت تأخذ ساعتين عبر الطريق الأسفلتية بين صنعاء ومأرب.. وحينما تراجعت الشرعية عن نهم، فتحت الطريق الى الجوف عبر مفرق نهم، ليسلكه اليمنيون بدلًا عن الطريق الأخر في مسافة لا تتجاوز أربع ساعات للصحراء، وساعتين بين الجوف وصنعاء، هذه الطريق في بداياتها كانت مغرية، وسريعة وكثبانها الرملية ثابتة، لكنها وبعد عام واحد من التنقلات تغيرت كثيرًا وصارت في مخاطرها أكثر بكثير من المسافة القصيرة.

مع الأيام والشهور تزايد المقبلون على الطريق الصحراوية، لتشمل ناقلات النفط والغاز، والبصائع التجارية، والمسافرون صوب سيئون وعتق والمهرة بعد تزايد مخاطر الحرب في البيضاء ومديريات مأرب في الجوبة والفلج وما حولهما، الصحراء صارت أخيرًا الطريق الوحيد لعشرات الألاف من الناس، وهذا، وبفعل الكثير من المركبات، أصبحت الكثمان الرملية أقل ثباتًا، ليصعب معها سفر المركبات العادية، التي لا تملك دبل لمواجهات الإنغماس في الرمل، كثبان الرمل الهشة لم تمنع المسافرين من الخوض في غمارها، ولكن، وقبل قرابة عامين ظهر في منتصف الصحراء أمرين خطيرين، إحدى القبائل في الصحراء رفعت كثبانًا رملية عالية على إمتداد واسع جوار منازل القبيلة، وحددت طريقًا واحدًا للعبور، مانعةً السفر في الصحراء بأكثر من طريق، هذه الحركة جعلت الطريق في مسار واحد، مما يسهل إيقاف السيارات وتفتيشهم والتهكم عليهم، مما أوجد حوادث كبيرة وكثيرة، من نهب المسافرين وقتلهم والإستيلاء على ممتلكاتهم..

تقطعات الصحراء..

خلال الأعوام الأخيرة من الحرب اليمنية، تزايدت حوادث التقطع والنهب والسلب والقتل، في ذريق الصحراء، وأمامها لا أحد يحاول كف أيدي المجرمين عن إجرامهم، صحراء الرويك في الجوف، وصحراء العلمان المنطقة الفاصلة بين جغرافيا الحوثـ ية والشرعية، مساحة شاسعة من الصحراء القاحلة، يخوضها المسافرون للوصول الى صنعاء قادمين من العبر وسيئون وشبوة مرورًا بمأرب، هذه الطريق المخيفة والوعرة شهدت حوادث وحكايات عدة عن مسافرين تعرضوا فيها للنهب والسلب والقتل والضباع، هي جغرافيا بلا دولة، لا يسيطر عليها أحد من الطرفين، لأنها منطقة فاصلة بين جغرافيتين، أحد المسافرين تعرض للتقطع ونُهب منه كل ما بحوزته، 300 الف سعودي، مع سيارة هايلوكس 2020، ثم تركوه بعدها للحظ الأقدار، لكنه نجى بإعجوبه عندما وجد قاطرة لنقل الغاز، اوقفها وركب مع سائقها، وبقي بعدها لسنوات مصاب بأثار ما بعد الصدمة، وأخرين في نفس الطريق، نهبوا وسلبت أموالهم البالغة مئات الالاف من العملة السعودية مع سياراتهم أيضًا، وأخرين قاوموا وقتلوا في ذات المكان.

أخيرًا;

السفر في الصحراء مخيف وصعب وله متاهات لا تنتهي، ضعنا فيها لمرات عديدة، وتهنا ذات مرة في جنباتها حتى منتصف الليل، وخضنا في حقل ألغام، ووقعنا بطريق المصادفة بخط نار بين المتحاربين، وتعرضنا لأطلاق نار في إحدى المرات، وشهدنا العديد من الحوادث والمشاهد التي لا تنسى، لكن حوادث التقطع الممنهج بغرض القتل والسلب والنهب زادت كثيرًا خلال الأونة الأخيرة،

أن الإجرام واحد، وغياب الدولة يصنع المزيد من الوحوش البشرية المجرمة، وحوادث التقطع والقتل بكل مكان هي نتاجات عن غياب الدولة، وضياع مؤسساتها، وهي ضريبة يدفعها اليمنيون من دماءهم وأموالهم وحياتهم، لأنهم تركوا دولتهم تضيع بينما شاهدوها تسقط يوم بيوم.. الشعب يتحمل العبء الكامل والكبير، عبء الدمار والموت والضياع، ولا جدوى من أحد لينقذه مما صار فيه، سوى معجزة أخيره يصنعها الشعب بيديه، وهذا أسهل الطرق الممكنة نحو النجاة والإنتصار..

ماجد زايد

تعليقات