كهنة الفيسبوك

الفيسبوك تحول الى بيئة خصبة لجمع التبرعات، وإفتعال مشاريع عاطفية تجلب الأموال والحوالات، بيئة إستفاد منها عدد معين من الهوامير الصغيرة والغامضة، وبسببها أصبحوا تجارًا ومندوبين ومؤثرين وصانعي رأي عام، بعد أن كانوا يلقون علينا مواعظهم الفيسبوكية وبرامجهم المجتمعية على طريقة محمود حسونة، طريقة المنتفعون، المنافقون، المنتفخون، بينما يتباهون بأفكارهم وحيلهم وخداعهم وأوهامهم المتكررة، ليجمعون الفوائد ويتجنبون الخلافات والقضايا الحساسة، إعتادوا على رؤية الناس تحفهم وتمدحهم وتزفهم نفاقًا، فظنوا أنهم على حق، وأنهم أولياء الله في خدمة المجتمع والعوام، بل دأبوا في ذلك، ليدورون بحلقة مفرغة لا نهاية لها، ليسرقون الأضواء، ويكذبون على الداعمين، ويحتالون على المستفيدين، بلا شفافية، أو رقابة، أو لوائح منظمة، فيصفق لهم المزيد والمزيد من المتفاعلين هنا، نفاقًا وتزلفًا وإعجابًا وتنفعًا، فيظنون أنفسهم قد صاروا محبوبين وعظماء، والناس توقرهم وتحترمهم، فيزداد تصديقهم لخيالاتهم النرجسية وبطولاتهم العامة، وفي الحقيقة: هناك فرق كبير بين الإحساس بالناس والمجتمع وخلق برامج مهمة للفقراء، وبين الوعي العام بالفقر والبشر، وإحتياجات واقع الناس، جان جاك روسو قال في إشارة مهمة: ليس الظلم ما يدعوا لاضطراب المجتمع، وإنما الوعي به، وبالمثل ينطبق الأمر على مروجي الوهم الشخصي بمبررات الوعي والتعاون والإنسانية..

في حديثنا وتكرارنا عن الإحتيال الفيسبوكي المتزايد، قد يبدو الأمر من الوهلة الأولى عديم الفائدة، لكنه مهم جدًا بغرض بناء معارفنا وطريقتنا للتعريف بهم أمام الأخرين، ومن جهة أخرى كنقطة بالغة الأثر والتأثير، نقطة وفكرة نتبرأ بهما أمام المجتمع عن أخطائنا وأزمنة إنحطاطنا.. خصوصًا ونحن منذ زمن مازلنا نصرخ بأعلى أصواتنا عنهم حينما نقول: أنهم يسرقون الفقراء هنا أمام أعيننا! ولو بحثنا مليًا في متون الثقافات الإنسانية عن مصطلح الإنسانية والشفافية لما وجدنا معاني تقابلها أكثر قربا لها من كلمة الأمانة، الصدق، الإخلاص، العدالة، والوضوح بمعناها الظهور الشجاع.. الشفافية مبدأ خَلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والأعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة وبشكل أكثر تحديدًا ومنهجًا لتوفير المعلومات وغيرها، وجعل القرارات المتصلة بالسياسة المتعلقة بالمجتمع معلومة وبائنة من خلال النشر في الوقت المناسب، والانفتاح لكل الأطراف ذوي العلاقة والخصوص. الشفافية هي نقيض الغموض أو السرية في الفعل والأعمال، وتعني توفير المعلومات الكاملة بكل الأوقات.

بالمناسبة، كلنا فاسدون لا أستثني احدًا حتى بالصمت العاجز، هذه حقيقة، كما يقول عنها زكي في فلمه ضد الحكومة. ولكن، منبر الإنسانية قلبها الصامت لا عقلها الثرثار، هكذا أجاب جبران خليل حين سُئل عن الأشخاص الذين أهلكوا الناس بطريقتهم في الحديث عن الإنسانية. جامعي التبرعات والحوالات والدعومات، المحتالين بينما يظهرون للعوام كأنهم أبطالاً إنسانيين ومنقذين خارقين للمجتمع والفقراء، يجلبون الطعام والحليب والخبز للناس، يكسون الأطفال والأرامل، يبنون المخابز ويشّيدون خزانات المياة، ينقدون البن والأغاني اليمنية، ويجمعون التبرعات اليومية، هؤلاء لن يتوقفوا حتى تنتصر الأخلاق والقيم وتعم السعادة والله أكبر، ولأجل هذا كله هم لا يطلبون التكريم والثناء لأنفسهم، أو خدماتهم، هم يريدون فقط لايكات وزبائن يوميين لمحلات العسل التي يصورونها ويتشاركون فيها أو يملكونها..

تعلمون يا أصدقاء! نحن من نصنع لصوص مقدسين بأيدينا وأموالنا، ومن ثم نصفق لهم ونسوق لهم ونجعلهم يتصدرون حياتنا وواقعنا، ولا أحد منا يسألهم عن شيء بخصوص المبالغ والأرباح والنسب والفرص والنهايات. أيضًا، في المجتمع اليمني يقولون "المال السايب يعلم أهله السرقة" وهنا أنا لا أعني أن جميع ناشطي الفيسبوك لصوص، كلا، في الحقيقة هم أذكى من ذلك بكثير، لأنهم عرفوا كيف يسوقون أنفسهم ويترزقون بطريقة نبيلة وهادئة، ملايين الريالات والعطاءات، بالأضافة الى مشاريع كبيرة في المأوى والمعيشة والسكن والووش والغذاء وفي عدة محافظات دون تقرير واحد عن تفاصيل مالية أو كشوفات تفصيلية أو جهات للمساءلة والرقابة، هذا يسمى فساد ولصوصية وإحتيال حتى ولو كانت نواياهم سليمة، ليس في يدي أوراق تثبت ذلك ولكنها علامة إستغراب كبيرة تحولت مع تزايدها ونموها الى أحتياج إضطراري خلال الأعوام الماضية والأيام الجارية، كونها تجلب لهم موارد مالية متزايدة أكثر وأكثر، وبحقيقة واحدة لا تتجاوز كونهم ناشطون إفتراضيون..

في المعيار الإنساني الأدنى ومعيار أسفير الذي يُسير وينظم أغلب برامج الإغاثة الإنسانية على مستوى العالم ينص أهم البنود الأساسية فيه على الشفافية والوضوح والكفائه، يجب أن تكون على مستوى كفائي يليق بما تخطط للقيام به، لا حاجة للطريقة الفردية في العمل الإنساني لأن ذلك يسمى تسويق شخصي أبعد ما يكون من الجانب الإنساني الذي يراعي قدرات السكان وإحتياجاتهم ويضمن أساسيات التنسيق والتعاون والتقدير والإستجابة والتصميم وأفراغ كل ذلك في تقارير عملية واضحة ومتاحة للمانحين والمستفيدين والمراقبين، تلك هي أقل ما يجب توافره في أي عمل يُراد من تسميته "إنساني" على السواء، وما سواه فليس أقل من تسويق شخصي بلا معايير أو رقابة.

أخيراً..
هي دعوة صادقة لوضع حد عام لوباء التبرعات والنشاطات والتجميعات المزيفة والملوثة بالغموض من قبل المعنيين بالأمر، دعوة لتفعيل مبادئ الشفافية وأخلاء المسؤليات عن كل شيء غامض أو برامج لها صلة بحقوق الناس والمجتمع وقضاياه المختلفة والمتنوعة.
.

محبتي
ماجد زايد

المقال بعنوان: كهنة الفيسبوك.

تعليقات