في النهاية سيحقق عضيمان أمنيته المقدسة بأن يكون موته مريحًا أكثر من حياته..

هل تتذكرون الجوكر حين كتب في مذكراته هذه العبارة: أرجو أن يكون موتي مريحًا أكثر من حياتي، كانت بالفعل أمنية الرجل وتعبيرًا مجازيًا عن واقعه المعاش في عالم غارق بالفوضى والفساد واللامساواة والحروب واليأس والكثير من الراكبين على البشر؟!
في نموذج الجوكر كان الدور الأهم للمجتمع الفاسد الذي يقوم بتحويل البشر إلى النسخة الأسوأ من أنفسهم كنتيجة لتعامله معهم وسخريته من مجرد وجودهم، وفي نموذج عضيمان، يقوم ذات المجتمع الفاسد والساخر بصنع بطلًا ووزيرًا وشخصًا مهمًا لغاية واحدة لا تتعدى إيجاد دمية حقيقية للسخرية منها واللعب بها..!

عضيمان أو الشاعر عظيمان رجل بسيط ونحيل للغاية يحاول أن يصنع له مستقبلًا بأي طريقة، حاول في حياته كثيرًا وفشل الف مرة، وفي طريقه العفوي البعيد حدثت المعجزة الأخيرة وتحققت أمنيته العظيمة، هو اليوم يعيشها بكامل مشاعره وعقله، بتفاصيلها ومذاقها ونشوتها البالغة، هو بالفعل يصدق حقيقة أنه موهوب، وأنه شاعر وأنه رجل يستحق أن يكون وزيرًا، ملامحه البسيطة والطيبة تعيش الدور وتتهيأ للمزيد، وفي كل مرة يكتب للجمهور قصائده وينشرها، فيجد الاف المتابعين والمشجعين والمصفقين، لا يفكر في دونية الشعر الذي يكتبه، ولا في سطحيه التراكيب التي يقولها، لأن قناعته أصبحت مطلقه في جمالية ما يكتبه، هو لا يعرف الفرق بين الشعر والكلمات العادية والمركبة، ومعها تتزايد قناعته بموهبته وقدرته على النظم والسجع، وفي المقابل يتمادى الجمهور معه ويستمتعون بالسخرية منه وهو لا يعرف شيئًا عن سخرية الجمهور بينما يصفق ويستمتع به كأنه دمية الساذجة..!

الجمهور الفاسد هنا يرتكب خطيئة أخرى ستدمر إنسان مسكين في النهاية، لابد لهذا الرجل أن يكتشف ذات يوم بأنه كان دمية غرضها الإستمتاع بغباءها وسذاجتها، دمية يسخرون منها وبرفعونها الى أعلى مستوى بغرض نكايتهم بالواقع المنحط الذي يعيشونه كنتيجة عن سنوات الحرب والدمار..

من جانب أخر، يأتي الراكبون الأذكياء لتسخير هذه الحكاية لصالحهم، هم يدركون جيدًا حقيقة الدمية المشهورة وسخرية عشرات الألاف منها، تمامًا كحكاية هشام الشويع الذي أصبح في النهاية مقتنعًا بموهبته الفنية المطلقة، بل وأحقيته في إنتزاع وجوده الفني المشهور، مجموعة الأشخاص الراكبين هنا يهدفون الى تحقيق وجودهم أيضًا أمام جمهور عشرات الألاف لينالون شهرتهم من هذه اللعبة، الشهرة القادمة من رأس السخرية المتداولة، أحدهم جعل منه وزيرًا وكل يوم يطلب منه ذكر رئيس وزراء الشباب، ليعود للواجهة مجددًا بعد تلاشي وجوده في الحياة العامة، أخر يقيم ندوة نقاشية يديرها بنفسه، وأخر سيشتري له الملابس والهدايا ليظهر بجانبه، وأخر سيضعه عنوانًا للصحفية لتعود الصحيفة للواجهة أيضًا، هذه المساعي الإنتهازية هي الحقيقة وراء الترويج المتكرر والمتداول لدمية عضيمان السادجة..

ستتذكرون كلامي، نحن ندمر حياة إنسان ليس له ذنب وليس له موهبة، إنسان لن يبقى في الواجهة أبدًا، سيتركه الساخرون لمجرد مللهم منه، بعدها سيبقى وحيدًا ومتروكًا وسيكتشف حقيقة أنه كان مجرد دمية، هل تظنونه سيترككم، وينسى سخريتكم منه، لا أظن ذلك، سيسعى للإنتقام منكم جميعًا، خصوصًا مجموعة الراكبين على ظهره، يومها سيجد طريقة للنيل منكم واحدًا تلو أخر كما فعل الجوكر في حكايته المعروفة..!
في النهاية سيحقق عضيمان أمنيته المقدسة بأن يكون موته مريحًا أكثر من حياته..

يسعد مساكم.

ماجد زايد..

تعليقات