حلقات واضحة.. الهاشمية السياسية.

 "حلقات واضحة"

الحلقة الثانية (الهاشمية السياسية)


هذه حقيقة الجماعات السياسية بشكل عام، في كل زمان ومكان، سنية كانت أو زيدية أو براغماتبة أو غير ذلك، هم عنصريون لا يقبلون بأخر من خارج تنظيمهم المقرب، أو ما يطلق عليه تنظيم الداخل، أبناءهم وأقاربهم وسلالتهم الداخلية تشكل في كياناتهم مركز التنظيم وسلطته وأصل الحق والولاية والصلاحيات، صلاحياتهم مطلقة بحكم إنتماءهم الأسري العرقي، بينما حلفاؤهم وتنظيمهم ومن ينطوون في لحافهم يمثلون تنظيم الخارج في كيانهم، هم بمثابة الغرباء، أو بمثابة الآإنسان، ومن هنا فالتضحية بهم باعتبارهم الآإنسان لا تصبح ممكنة فقط بل هي واجبة وتتخذ دلالة العمل النبيل للقضاء على الشر والسوء وإستتباب نعيم البلد الذي يمثله كيانهم العصبي..


لهذا فأن الحالة اليمنية تشكل نموذجًا بليغًا من الصراع الإثني بين عنصريات متفاوتة. إننا بصدد الحديث عن أسطورة شعب الله المختار الذي فُرض عليه استعادة الأرض وتحرير الحق السلطوي الممنوح من السماء، ذلك ما يحدث في العصبيات الدينية الأصولية التي تعتبر نفسها الفئة الناجية من الظلال وصاحبة العقيدة الصحيحة، العصبيات التي يتعين عليها بالتالي تطهير الأرض من الفئة الضالة والقضاء على الشرور والآثام واستعادة نقاء العقيدة، ومعها استعادة السلام على الأرض، أي استعادة الفردوس المفقود.


الأشكال الأربعة للهاشميين في اليمن: 


إشكالية الهاشمية في اليمن تاريخية إلا أنها وبالرغم من تلاشيها عادت مجددًا للواجهة بعد سيطرة أنـ صار الله (الحـ وثيين) على السلطة في صنعاء. مجموعة كبيرة من القيادات الحـ وثية ينتمون للهاشميين ولا يخفون تفاخرهم بفكرة آل البيت، أو السلالة الأحق والأنقى والأطهر، فكرة الولاية القطعية. هذه الإشكالية توسعت مع الوقت وافتعلت شرخًا مجتمعيًا توسع ويتوسع منذ سنوات.


الهاشميون انقسموا حول فكرة الأحقية والولاية ومواجهة الواقع اليمني إلى أربعة أشكال، وبالطبع مع احتمالية التقاء الأشكال الثلاثة في إطار الأسرة الواحدة.


الشكل الأول يأتي في الهاشمي المؤمن بضرورة الولاية وأحقية السلالة بالسلطة والحكم وأنها وبلا شك نجاة العالم، هؤلاء يشكلون القيادات الفعلية للسلطة في الجانب السياسي والعسكري والتنظيمي، هؤلاء لهم صلاحيات مطلقة في الثروة والسلطة وانصياع المنخرطين في القواعد التنظيمية لهم، هذا الشكل هو الأخطر فعليًا وهو ما يشكل دولة الأثنيين العميقة، دولة الجيش والشرطة والمال والضرائب وكل شيء، وبقية العناصر البشرية ستجدها محصورة بين الجندية والموت بلا مناصب مرتفعة.


هذه الفئة بدورها ولدت عوامل مناوئة لها في المجتمع المحيط بشكل متطرف مستدعيةً نماذج وتجارب تاريخية قديمة، هذه الفئة هي الظلال والخطر المجتمعي الكبير، ردة الفعل لم تكن لتظهر أو تتصاعد لو لم تكن للدخان نار مشتعلة، نار السلالية التي أوقدوها تتنتشر في الوسط اليمني المناوئ لها كانتشار النار في الهشيم، هنا تكمن السببية في الكارثة، الكارثة التي يخشى الجميع منها.


الشكل الثاني من التفاعل والتجاوب الهاشمي مع الولاية والأحقية والسلالية العنصرية يتجلى عبر أصوات تعلمت بشكل راق خلال سنوات الجمهورية اللاحقة، نالوا بحكم التسويات السياسية وانتمائهم الأسري على مستويات عالية من التعليم والمناصب والمنح بعكس نسبة كبيرة من اليمنيين المعلقين في جبال الجمهورية الخاوية. هؤلاء يدركون جيدًا تخلف فكرة الأحقية والولاية لذا يتعاملون بأسلوب براغماتي مع كافة التعاطيات، قديمًا وحاليًا، هم أكثر المستفيدين من نظام علي عبدالله صالح وهم أيضًا أكثر المستفيدين من تنطيم الأخوان المسلمين وأيضا الحـ وثيين اليوم، وظائف وصلاحيات وأمان سياسي وعلاقات تصل لكافة أروقة الدولة، لكنهم أيضاً ينتقدون الحـ وثي ويتبرأون من نظامه العنصري السلالي الذي لا يمثلهم. وهي مقتضيات التمظهر السياسي والبراغماتي التي تقتضي ذلك، هم يعرفون جيدًا أن البلد في خضم تحولات متسارعة وفكرة البقاء لأي فصيل فكرة غبية، لهذا يتعاملون وفق مرونة عالية في التعاطي السياسي والإعلامي ولديهم الى حد كبير ذكاء ومعرفة بماهية المتغيرات والأحداث، ومع ذلك فهم ورغم كل شيء يخافون من توسع الشقاق والشرخ المجتمعي المتحول مع الوقت إلى نزاع وصراع سيخسف بالجميع، براغماتيتهم تتريث كثيرًا في أمور الانحدار نحو المجهول، المجهول الذي سيكلفهم وسلالتهم الثمن الباهظ والقيمة المتأخرة من كل التكاليف.


الشكل الثالث من الهاشميين يسمى الضحايا. هناك ثمن لكل شيء، وثمن الطغيان السلالي يقع على عاتق هذا الشكل الضحية، هؤلاء لا حول لهم ولا قوة، لا أرباح ولا براغماتية ولا مناصب ولا مال ولا علاقات ولا وساطات ولا شيء، هؤلاء مثلهم مثل العاديون من الناس المحصورون ضمن قاعدة اللاإنسان، عليهم ما على الآخرين، وهم فعليًا جزء منخرط ببساطة في المجتمع ويتقاسم مع بقية الشعب ضريبة الكارثة.


آل الجنيد في الصراري فقدوا ما يقارب المائة شخص مع الكثير من الأسرى والجرحى والمفجوعين. أنه جُرح لم ولن يندمل، هكذا يقول المشردون منهم، قالوها لي في أحد المخيمات في تعز.. فقدوا أرضهم وقُراهم وبيوتهم ومزارعهم وأبقارهم وكل شيء، فقدوا ذلك لأن هناك آخرين تمادوا قليلاً في التفاخر والطغيان، ويقول أخر: لا يزال هناك الكثير من الوجع لم يُحكَ بعد.. وجع جدتي العجوز “شمس” ذات العمر الكبير، رفضت ترك منزلها وبقرتها وحولها الصغير يوم وصلت إليها الحرب.. ماتت قهرا على الأطلال. وأخر يقول: لا أحد يستطيع محو هذا الثمن اللعين.. أو الثمن المتشكل بفعل عنصرية الأخرين وبراغماتية المستفيدين. هؤلاء الأشخاص أو الأسر يتحملون العاقبة لأنهم الأفقر والأضعف والأبعد بحكم بضعة أشخاص، ليس لهم من حفلة السماء سوى اللقب، يعتبرون أنفسهم ضمن لعنة لا مفر منها سوى إلى الموت.


الشكل الرابع منهم يأتي ضمن التنظيمات الأخرى، التنظيمات المناوئة للحـ وثي أو المتحالفة مع مناوئي الحـ وثي. تشكل هذا الانخراط مع الزمن نتيجة ظروف سياسية كهاشميي الإصلاح، أو ظروف جغرافية كهاشميي الأشراف في مأرب، أو ظروف تاريخية مرتبطة بالمذاهب كهاشميي الصوفيين في تعز والجنوب. هؤلاء وبصورة ما يندرجون ضمن الضحايا الهاشميين في المجتمع. بالفعل استمرت حياتهم وطرقهم السياسية لكنهم عوامل خطر وتهديد بنظر المحيطين بهم، ذلك بالطبع نتاج الحـ وثية والفئة المؤمنة بالولاية والأحقية والمتفاخرة بها.


هذا الصنف يعتبر في قاموس سلطة الجغرافيا بمثابة الفيروس بالنسبة لمن هو ضمنهم، خصوصًا في حالات النأي بالنفس، نظرة المحيطين بهم مقصورة على أن فيروس العنف حين لا يتخذ طابع الوباء الموجه إلى الأعداء، قد يرتد ويصبح وباءً داخليًا، فيما هو معروف من صراع الأجنحة ضمن العصبية الواحدة. هنا تتشظى العصبية الواحدة إلى عصبيات فرعية متقاتلة (سياسية أو مذهبية) تصل حد التصفيات الدموية كما حدث ويحدث للأشراف في مأرب، هنا أيضًا تنشط أسطورة الفئة الناجية.. الجناح الذي يرى نفسه على حق أو يمتلك العقيدة السياسية أو الدينية الحقة على خلاف الحـ وثي، والفئة الضالة أو الجناح المخرب والمتآمر والمتواصل مع الحـ وثيين، الفئة التي يجب تصفيتها للحفاظ على سلامة خط القضية وصواب العقيدة ونقاء الرسالة، وهو ما يؤسس لظهور الاستبداد الذي يبلغ حد الطغيان.


ماجد زايد


الحلقة القادمة بعنوان (الأقيال)

تعليقات

إرسال تعليق