لم يكن يرغب أبدًا بدراسة الطب وعلومه الصحية، كان يطمح في بداياته لدراسة التكنولوجيا والعلوم التقنية، ولكنه وجد نفسه بعد عقدين من الزمن استشاريًا متخصصًا، وأستاذًا متفردًا لطب الاسنان في معظم جامعات الوطن، حاملًا لدرجة الدكتوراه في طب الفم وجراحة اللثة، واستشاريًا لزراعة الأسنان، وأستاذًا مشاركًا في جامعة ذمار، وجامعة الحديدة، وجامعة الحضارة، وجامعة العلوم والتكنولوجيا، والجامعة الماليزية، والجامعة الإماراتية، وجامعة سبأ، ومشرفا على برامج الماجيستير والدكتوراه في جامعات ذمار وصنعاء والعلوم والتكنولوجيا، وصاحب كتب علمية متخصصة وكتب أخرى مازالت تحت الطباعة، وصاحب عشرات الأبحاث العلمية على مستوى الوطن والخارج، وعميدًا لكليات الطب والعلوم الطبية، وقائمًا بأعمال رئيس جامعة خاصة بشكل مفاجئ وطارئً، جامعة احتاجت الى رجل ينقدها من أسوأ مراحلها الطارئة.
الدكتور اليمني الشاب وضاح عبدالناصر نعمان محمد الحاج، لم يتجاوز عمره الـ 42 عامًا، لكنه تجاوز مئات السنوات في الفعل والنجاح، أبن محافظة تعز، قضاء الحجرية، مديرية الشمايتين، عزلة الربيصة، وتحديدًا قرية الحدي، ولد في صنعاء، وعاش فيها، ودرس الإبتدائية والإعدادية في مدرسة طارق بن زياد بـ حيّ معياد، ثم درس الثانوية العامة في ثانوية الشهيد أحمد الحورش بمديرية السبعين حيّ خمسة وأربعين.. والده رجل تكنوقراط، وصاحب مناصب إدارية عليا في المصارف والبنوك، وكان الرجل الحقيقي وراء كل شيء حققه ووصل إليه نجله الدكتور وضاح الحاج.
في بداياته كان الشاب وضاح يتهرب من رغبة والده الملحة في إلحاقه بكلية الطب جامعة صنعاء عقب الثانوية العامة، وبالفعل تمكن وضاح من الإفلات في البداية ولم يسجل بكلية الطب جامعة صنعاء، ولكن والده لم يتركه، وبقي يُلح عليه للإلتحاق بكلية طب الاسنان الجديدة في جامعة ذمار بعامها الأول لتخصص طب الأسنان، لتتزحزح قليلًا قناعة وضاح الرافضة للطب، خصوصًا مع مصادفته لتخصص طب الأسنان، ونزولًا عند حلم والده الذي يريد أحد نجليه أن يصبح طبيبًا، بعد أن أصبح الأكبر مهندسًا، في واحدة من أزهى قصص الأباء بينما يخططون لحياة أبنائهم ويتابعونهم، ويلحوّن عليهم، ويحققون من خلالهم بعض الأحلام القديمة.. كانت قناعة والد وضاح مختلفة تمامًا في ذلك الزمان، كان يقول لأبنائه دائمًا: أنا أريدكم أن تتعلموا، أريد توريث العلم لكم، أريد الإستثمار في البشر لأنه خير وأعظم من الإستثمار في الحجر، كان يقصد بذلك اهتمامه بتدريسهم وتعليمهم كأولوية وحيدة بالنسبة إليه، لأنه لن يبني لهم عمائر أو عقارات، ولن يورث لهم ماديات، لن يترك لهم من حياته كلها سوى العلم والتخصص والدرجات العلمية، لتكون ثروتهم الوحيدة في الحياة.
التحق وضاح بكلية طب الأسنان في العام 1996، وتخرج منها بعد خمس سنوات، ثم تعين فيها معيدًا بدرجة مساعد باحث، بعدها غادر الى مصر لدراسة الماجستير عام 2007 بجامعة قناة السويس بالإسماعيلية، ليحصل على درجة الماجستير في فترة وجيزة لم تتجاوز ثلاث سنوات، وفي العام الرابع التحق في الجامعة بالإسماعيلية لدراسة الدكتوراة عام 2011، ليحصل على شهادة ودرجة الدكتوراة في العام 2014.
بعدها عاد الى اليمن، مع شهائده ودرجاته ومرتبته العالية، وبمجرد وصوله للوطن عرضت عليه وظائف مغرية في الخارج، بمبالغ مغرية جدًا، لكنه رفضها كلها، وفضل الوطن على الإغتراب، كان يعيّ جيدًا تكاليف الغربة والغياب على نفسه وروحه ومعنوياته، لهذا رفض واختار البقاء بصنعاء، مدينته الأم، ومصيره العظيم، اختار الوطن في ذروة التعقيدات السيـ ـاسية الحاصلة في البلد، اختار البقاء، وعاش لفترة ليست بالقليلة دون أن يمارس أعمال مربحة، بالرغم من شهاداته العليا، عاد آنذاك للتدريس في جامعة ذمار، وبلا عوائد مادية، ولكن والده الرجل الذي وعده منذ البداية بأن يكون سنده وظهره الأبدي، لم يتركه ولم يتجاهله بمبرر أنه قد صار رجلًا، كان والده سنده المالي والمعيشي الوحيد، في زحمة الحياة المعقدة والمليئة بالاحتياجات الضرورية، حتى تمكن الدكتور وضاح من افتتاح مركزه الخاص لطب وجراحة الأسنان، واثبت وجوده في الكثير من الجامعات الحكومية والخاصة كأستاذ قدير وإداري متمكن، بدءًا من رئيس قسم وعميد كلية ونائب رئيس جامعة مرورًا كقائم بعمل رئيس جامعة، بعدها بسنوات قليلة، نال درجة أستاذ مشارك في جامعة ذمار، ثم استمر جاهدًا للتخصص أكثر بالتعلم الأكاديمي، الى جانب العمل السريري في عيادته الخاصة.
ومن باب الأهمية، وقبل الخوض في تفاصيل الحياة العملية اللاحقة للدكتور وضاح، هناك نقطة تعد من أعظم النقاط الملهمة للشباب القادمين، والباحثين عن نماذج من حياة السابقين، للأخذ منها والإعتبار من تفاصيلها، الدكتور وضاح الحاج، لم تكن حياته العملية مفروشة بالورود، كان الطريق وعرًا وشاقًا ومنفرًا من الوظيفة الحكومية الوحيدة، خصوصًا في جامعة ذمار، كان الجميع يعاملونه باستفزاز وتنفير، وأصحاب القرار يرفضون تكرارًا ومرارًا، ولفترة طويلة، ترقيته بحسب شهادته الدكتوراه، رفضوا الاعتراف بحقه وأحقيته، لهذا بقي يعمل في الجامعة بدرجته العالية بوظيفة مساعد باحث فقط، لم يكونوا يعترفون بما ناله وحققه في الدراسات الخارجية، هكذا لفترة زمنية من التعامل المنفر والأسلوب المستفز، وفي المقابل، كانت الخيارات أمامه مفتوحه أيضًا، إما مغادرة البلاد للعمل، أو الإتجاه للجامعات الخاصة لبغرض العمل والتدريس، أو البقاء في ذات المكان والتحمل أكثر، وبالفعل اختار البقاء، ليس لشيء، فقط لإدراكه الصريح بحاجة الطلاب والدارسين لوجوده وتدريسه لهم، خصوصًا مع إفتقار الجامعة لأساتذة كفاءات في ذلك التوقيت، الدكتور وضاح تحمل كثيرًا، ومارس الصبر الشديد في معظم تفاصيل حياته العلمية والعملية، حتى جاء من ينصفه ويعترف بأحقيته، لهذا حصل على درجة الأستاذ المشارك، ومضى بعدها يجول بعلمه وشغفه وأحقيته في معظم جامعات الوطن الطبية.
التحق بعدها بجامعة الحضارة في صنعاء، بوظيفة عميد كلية طب الأسنان، كأحد المؤسسين الفعليين للكلية في ذات المكان، ثم أصبح فيها عميدًا لكلية العلوم الطبية بأكملها، ثم نائبًا لرئيس الجامعة للشئون الأكاديمية، هكذا لاشهر طويلة، حتى دخلت اليمن في حـ ـرب شاملة أدت لإنهيارات كثيرة في معظم الجامعات، ليجد الدكتور وضاح نفسه أمام تحديات صعبة، بعد مغادرة رئيس جامعة الحضارة للبلد، الأمر الذي كاد أن يؤدي لإنهيار الجامعة، ولكنه قابل التحدي، وواجه الصعاب، وقام برئاسة الجامعة في ذلك التوقيت الحساس، لمدة سبعة أشهر مضطربة ومعقدة ومتداخلة، حافظ خلالها بالفعل على الجامعة بكل جدارة وكفاءة واقتدار، .جنبها الإغلاق الذي كادت أن توشك بالوقوع فيه، ثم أعاد تجديدها وتأهيلها وفتحها أمام الطلاب، لتصبح اليوم من أكفئ الجامعات التي نالت شرف قيادة شاب بهذه القدرة الكبيرة والعظيمة.
هو اليوم عميدًا لكلية الطب والعلوم الصحية، ولكلية طب الأسنان في جامعة الحضارة، وأستاذًا في كلية طب الأسنان بجامعة ذمار، وبالطبع بلا مرتبات منذ سنوات، لكنه لم يتخل عن الأصل والضمير، ولم ينسى أبدًا رد الجميل لمكانه الأول، وأيضًا هو اليوم أستاذًا في كلية طب الأسنان جامعة العلوم والتكنولوجيا، وأستاذا زائرًا في الجامعة الماليزية، وأستاذًا في جامعة الحديدة.. وسابقًا كان أستاذًا لطب الأسنان في جامعة سبأ، وفي الجامعة الإماراتية، وهو أيضًا مشارك دائم في مؤتمرات طب وجراحة الفم والأسنان، داخليًا وخارجيًا، وله ثلاثة كتب علمية مطبوعة في علوم طب الأسنان واللثة والفم، ويعمل على خمسة كتب أخرى، وله عشرات البحوث العلمية المنشورة في أفضل المواقع العلمية الدولية، وعشرات البحوث العلمية الجاهزة للنشر، وهو مشرف على برامج الماجستير والدكتوراه في جامعة صنعاء وذمار والعلوم والتكنولوجيا، وله قناة علمية في اليوتـ ـيوب تحتوي على محاضرات علمية ومنهجية في كافة التخصصات المتعلقة بالفم والأسنان واللثة،.ويحمل درجة الاستشاري، ويعمل أيضًا لنيل درجة استشاري أول، خلال العام القادم، كأعلي درجة أكاديمية، وايضًا يعمل جاهدًا لنيل درجة البروفيسور خلال ثلاث سنوات قادمة، وله مركز متخصص في طب وجراحة الفم واللثة وزراعة الأسنان، يتكون من خمس عيادات استشارية.
كل هذا تحقق في سيرة حياة الدكتور وضاح الحاج، خلال فنرة قضيرة، وعمر وجيز، وسنوات مرت سريعًا، لهذا مازال شابًا، والطريق أمامه تنتظر المزيد، ولديه من شتى النواحي والمناطق والمدن المختلفة الاف الطلاب، الذين يعرفونه ويعرفون طريقته الشغوفة في العلم والحياة، وله عدة أبناء، أكبرهم "أدهم" حصل على ترتيب التاسع من أوائل الجمهورية اليمنية في الثانوية العامة هذا العام، وبقية أبناءه يسير معهم تمامًا كما فعل والده بطريقة الإستثمار في البشر لا الإستثمار في الحجر.
هذه الحكاية الملهمة، واحدة من أخلص الروايات اليمنية، عن الأشخاص الناجحين رغم كل شيء، الأشخاص الذين جرهم القدر ليكونوا أبرز المؤسسين لـ علم وطب الأسنان الأكاديمي على مستوى الوطن، عن رجل تفادى الصعاب والعقبات، وصنع منها طريقًا مفروشًا بالأمنيات، طريقًا للعلم والشغف والضمير الحي، بينما يسعى لخدمة الوطن وطلاب الوطن وجامعات الوطن، بنوع من القدرة والكفاءة والتنافسية الكبيرة، ليصبح رمزًا مؤسسًا للكثير من المعالم الخالدة في علوم الطب والأسنان، له منا كل التحايا والسلام، لطبيب يمني شاب، مازال العمر أمامه طويل، ليحقق حلم البروفيسور، وما بعدها بكثير، ليصبح مع الزمن أحد المؤسسين الخالدين في حياة اليمنيين وعلمائهم الأجلاء.
ضمن سلسلة كتاب:
#أطباء_يمنيون_خالدون
برعاية #مختبرات_اليوسفي_التخصصية
ماجد زايد
تعليقات
إرسال تعليق