لفتتني جدًا ملامح كبار السن المنتظرين في الجولات، مع أدواتهم ومعاولهم، من بعد صلاة الفجر بالشوارع الرئيسية، للحصول على فرصة عمل أو رزق، لم يمنعهم العمر المتقدم والبرد الشديد من الخروج والعمل.. ملامح وجوههم بالغة الشقاء والشدة، وفيها من العناء والتحمل ما لا يمكن كتابته.. بنائين، مبلطين، مرنجين، حمالين، والكثير من المجارف والمفارس والكريكات والمطارق والموازين، يجلسون بجوار الشباب والأخرين، بلا يأس أو عجز أو تذمر، يتناولون مع بعضهم أي خبز أو بن أو سندويشان بطاط، وحين تتوقف سيارة قادمة يقفزون إليها قبل العمال الشباب، هم أكثر خبرة وأكثر حاجة للعمل، ولكن الباحثين عن العمال لا يقتنعون بهم، لأن الشباب أكثر العمال المطلوبين، لهذا يعودون وينتظرون في أماكنهم، هذا سر بقاء الكثير منهم في ذات الرصيف بعد ساعات طويلة من الإنتظار.
إنه مشهد مهيب لرجال أشداء، وواقع مرير، لحكاية يمنية خالصة عن حاجة الكبار في السن لإنتظار العمل بـ أواخر العمر الطويل، عن أشخاص لا يملكون من حياتهم القديمة والجديدة أيّ مصدر أخر للرزق سوى أيديهم ومعاولهم وفرص العمل الشاق، لهذا ينتظرون دائمًا رزقهم صباح كل يوم.
هم يعشقون التعب، لكنهم تعبوا من الانتظار..
بعضهم تمضي عليه أسابيع، ربما شهور وهو ينتظر هنا، ينتظر اليد التي تمتد له لتستفيد من عرقه..
هؤلاء الذين نمشي بجوارهم ونشعر بالتقدير نحوهم لأنهم يكافحون للبقاء في وطنٍ يموت، لكننا لا نشعر كم هم جائعون، كم هم عاجزون.. وكم من الوقت سينتظرون، قبل أن تسقط كرامتهم تحت أقدام جوعهم! قبل أن يرفعوا الراية البيضاء، ويغادروا هذا الرصيف إلى أرصفةٍ أخرى.. ينتظرون فيها صدقات الآخرين.. قبل أن يذهبوا للمساجد، ليصرخوا في وجوه المصلين: نحن جائعون..
#عيد_العمال
تعليقات
إرسال تعليق