توطئة
الأغاني الخالدة، ليست مجرد الحان عابرة وكلمات قديمة، بل هي أرواح صادقة وعبارات ممزوحة مع الروح الغنائية لفنانها وشاعرها وملحنها، هكذا يتشكل الخلود الفني المرتبط بالذاكرة والوجدان، وهو الخلود المتجدد في سائر الأزمان اللاحقة، بعد إنطلاقتها من مكان محدد لتصل وتنتشر بكل الأماكن البعيدة، هذا التوسع والديمومة الزمنية يأتي من صدق الأغاني وبساطتها في مخاطبة المشاعر والأحاسيس الإنسانية، وهنا يأتي السؤال الأهم، لماذا أغاني معينة تصبح خالدة، وأخرى عابرة؟! الحقيقة ليس هناك أية معايير أو مقاييس ثابتة لبقاء الأغنية، بقدر ماعي عوامل متغيرة. الأغنية الخالدة يتوقف الزمن أمامها، ويشعر الناس والمجتمع بالصدمة بعد سماعها، يكررونها كثيرًا، لكنهم لا يملون منها، يسمعونها مجددًا، ثم يرغبون بالإستماع إليها مرة أخرى، لهذا تصير ذائقة ومتطلب عام، ليجد بقية الفناين أنفسهم أمامها مرغمين على تأديتها، كواحدة من الأشياء الضرورية في الحياة، ومن هذا السر الجوهري بقي الفنان اليمني أبو نصار خالدًا ورائجًا في الوسط الفني اليمني طيلة سبعة عقود زمنية، فمن هو أذن مؤسس الأرشيف الغانئي والتراث الفني اليمني الأكثر رواجًا وبقاءًا زمنيًا.
سيرة حياة..
الفنان اليمني محمد بن حسين بن سيف الإسلام أحمد قاسم الملقب بـ " أبو نصار"، ولد لأسرة حميد الدين الهاشمية بينما كانت تسيطر على السلطة، في منطقة رداع بمحافظة البيضاء، في الثالث والعشرين من أكتوبر من العام 1941، درس في رداع المرحلة الإبتدائية، ثم انتقل منها للدراسة في المدرسة العملية بصنعاء، ليدرس الفقه ومتون العلوم المختلفة، بعدها تبناه عمه عبدالرحمن بن سيف الإسلام أحمد بن قاسم بعد وفاة والده، وكان عمه عامل الإمام، في إحدى مناطق تعز آنذاك، فانتقل معه الى تعز، وفيها تلقى بعض العلوم الدينية واللغوية، كالأجرومية ومتن الأزهار، لمدة ثلاث سنوات، ثم تزوج إبنة عمه وانتقل مع أبيها الى بيت الفقيه بمحافظة الحديدة بعد تعيين عمه عاملًا عليها، ليبقى فيها أربعة أشهر حتى إنطلقت الثورة لجمهورية على أسرته الحاكمة في الـ 26 من سبتمبر من العام 1962، عاد بعدها الى صنعاء، وبقي فيها فترة تعرض فيها للسجن والمضايقات، وهي ما أجبرته على اللحاق بباقي أسرته الى المملكة العربية السعودية، ليقضي حياته فيها حتى أزمة الخليج، التي أجبرته على العودة الى اليمن بعد ضمانات سيتسية بعد التعرض له، وفي العام 1994 تعرض لجلطة دماغية سببت له شلل نصفي، ليعود الى المملكة العربية السعودية بغرض العلاج، ويبقى فيها حتى إعلان وفاته في السادس من شهر ديسمبر عام 2003، عن عمر يناهز الثالثة والستين سنة.
أبو نصار الشاعر والملحن والمنشد والفنان..
أمير الفن الغنائي اليمني، الفنان محمد أبو نصار، بدأ الإنشاد والغناء في عمر مبكرة، وتعرض بسببهما لحالة رفض أسري، من أسرته الهاشمية المتدينة المحافظة، وهي الأسرة ذات السلطة المطلقة، وهي ما أخرت ظهوره الفني على الساحة الغنائية العامة آنذاك، اضطر أبو نصار للغناء بشكل سري لفترة من الزمن، ولكن حبه وشغفه للفن والغناء أسهم في إقناع الكثير من أفراد أسرته بموهبته الفذة، ليسمح له بعدها بالإنشاد والغناء وفق معايير معينة، ليظهر في أول مرة للجمهور من خلال أثير الإذاعة الملكية، ومنها انطلقت رحلته الفنية كمطرب ومنشد وملحن وكاتب أيضًا، رحلة بدأت في نهاية الخمسينات وانتهت مطلع التسعينات، في تجربة قدمها بمزيج من التداخل بين الغناء الصنعاني، والغناء البدوي، في مأرب والجوف وصعدة، مع الفلكلور الشعبي والتراث، بأشكاله وألوانه وايقاعاته متأثرًا بالبيئة التي كان يعايشها، ويعيش فيها، وبحسب أحد المدونين، فقد أعاد الفنان أبو نصار تقديم الفلكلور الشعبي بإيقاعاته المتداولة في صنعاء، والجوف، ومأرب، وصعدة، والبيضاء، وغيرها من المحافظات اليمنية، وعمل على تطوير الفلكلور الفني بمقاربة ومعالجة إبداعية، وأضاف لها أبعاد جمالية. ومن نايحة متصلة فأسلوب التجديد الذي انتهجه، بالتمرد والخروج عن الرتابة التي كانت سائدة في الفن الصنعاني، خلقت جمل موسيقية مليئة بالحوارات، تبعث البهجة والفرحة والجمال، وتشمل جميع نواحي الحياة: الحب والغزل والسفر والغربة والزراعة، والتجديد، أبدع فيها أبو نصار، وخاصة في الجملة اللحنية حتى سبقت عصره. وحالياً. نجد معظم الفنانين الشباب يعتبرون إنتاجهم الفني استمرارية لتجربة مدرسة أبو نصار
أما أغانيه الخالدة فبقيت شاهدة على الخلود الذي حققه أبو نصار، ومنها:
- أبو حسن قال عهد الله
- يا سنترال
- فقد رسولي الطير
- سلس الطير
- سرب الحمام
- يا دي عبرت الفضاء
- يا سائلي عن هوى المحبوب
- ياهل الهوى لا تلوموني
- الهاشمي قال يامسكين باتفرج
- ليتني بالنظير
- انا مسافر فوق سطح القمر
- اح من ذي نهب روحي
- رفت عيوني
- قلبي على بعدكم مجروح
ومن ناحية فنية مقابلة، وبحسب المؤرخين، فقد تمكن أبو نصار، بأدائه وطريقة تقديمه للأغنية الصنعانية، من تجاوز معظم الفنانين الذين عاصروه، لتجعل منه علامة فارقة في تراث الأغنية الصنعانية، وماركة مسجلة من حيث التعدد اللحني في تقديمه للأغنية الواحدة، وهذا دليل على ثقافته وسعته، هي الظروف التي جعلته يتمدد على خارطة الفن اليمني، في أغلب الألوان الغنائية: لحجي، عدني، تهامي. إلى العديد من أغاني التراث، والشعر الحميني، وهذا اللون التواشيحي المعروف جدًا والرائج في الوسط الشعبي الصنعاني، ومن أمثلاها:
- لله ما يحويه هذا المقام
- غنى على نايف البواسق
- وامغرد
- يامن عليه التوكل
- رضاك خير من الدنيا
- حُميمة
- لي في ربى حاجر
- بات ساهي الطرف
- انا من ناظري
- وانسيم السحر
- معشوق الجمال
- يامكحل عيوني
- ياليل ما طولك
- المعنَّى يقول
- قال المعنَّى علينا للهوى
- ياشاري البرق
- ياطير ياناشر
- يقرب الله لي بالعافية والسلامة
- ياحمامي امانة ما دهاك
- معي صديق احنجه مثل الولد
- ياربة الصوت الرخيم.
خاتمة الجزء الأول:
اولويات ودوافع الفنان أبو نصار تلخصت بحسب سيرة حياته في عدة قناعات، أهمها ما نقله أحد رفاقه بفترة السبعينات، حينما كان يقول، بأن، الفنان الحقيقي ملكًا للناس، ووجوده، وتاريخه، وصيته، وموهبتة الإستثنائية خالصة في غايتها لأجل الناس، والناس لا سواهم، هذه رسالة الفن، وهذا ما يمنح الخلود، لقد خلقنا لأجلكم أيها الناس، هكذا كان يفول دائمًا، وكل يوم نبذل طاقاتنا ومشاعرنا وحياتنا لتقديم الجديد من الفن الجميل والأجمل، كلمات، والحان، وغناء، وكل هذا خالد في عقول الصادقين عنا، هذا واجبنا وأرقى ما نعيش لأجله..
يتبع..
ماجد زايد
تعليقات
إرسال تعليق