عن السياسي اليمني المثير للجدل علي البخيتي!

 سياسيًا، يعجبني علي البخيتي بحيّله، وأساليبه، وممارساته، وتذاكيه، وانفتاحه، وتعاطيه، هذا الفنان المحترف وغد في السياسة، وداهية في الوصول، ومرن في الممارسات، ويعرف دائمًا من أين تؤكل الكتف، الإمام علي، أو السياسي اليمني المراوغ بطريقة الدهاة المحترفين، لا يشبه الأخرين في نهجة وأحاديثه، ولا يخجل من أقواله وصفاته، ولا يخاف على صورته المثالية من ملايين المتابعين، يقول القناعات الجريئة ولا يخشى مما سيحدث بعدها، يتقدم في معظم القضايا الشائكة وهو يعرف عاقبتها.. وهكذا في كل مرة، حينما يتواصل مع الكبار يجعل نفسه منهم، وحينما يظهر أمام العوام يتحدث مثلهم، وحينما يقابل المفكرين يتحدث بأكبر من أفكارهم، وحينما يلتقي السفراء والقادة والمؤثرين يدهشهم ويضحكهم ويقول لهم الحقيقة، ثم يستحوذ على قلوبهم وأسرارهم، ليحبونه بعدها، ويجعلونه أعظم العقلاء والخبراء والمستشارين. 



البخيتي، سياسي يمتلك ضميرًا صادقًا، وذكاءً ملفتًا، وشجاعة نادرة، وطريقة عجيبة وفريدة في التواصل والإقناع، كان صادقًا مع الحـ ـوثيين عندما كان بتحدثه عنهم، أو معهم، ولكن ضميره أكبر من فكرة البقاء والتمترس، بعدها تركهم وغادر، بعد أن ركب على ظهورهم واستفاد منهم بشكل أكبر بكثير مما استفادوا منه، شجاعته عند المغادرة تلك، أوجدت له الاف الطرق والفرص والخطوات اللاحقة، ولو كان شخصًا أخرًا، لما نجى من ويل الانتقال المفاجئ الى طرف اليسار النقيض، قادمًا من يمين اليمين، لكنه عبر ونجى وتجاوز التوقعات، ليصبح صوتًا مدويًا للطرف الأخر، وفي مكانه الجديد صنع مالم يصنعه الأخرون، وفي مكانه الجديد لم يرضخ لنظرة الشكوك والعداء والممارسات القديمة، بل صنع من رحيله السياسي واقعًا استثنائيًا لا يعرف خلقه غير الأذكياء. 


مازلت أتذكر عبدالسلام جابر وزير إعلام صنعاء السابق -رحمة الله عليه- فبعد أن غادر وأنضم الى الرياض سحقوه وأهملوه، ثم تركوه منسيًا في ثنايا المشكوكين والأعداء السابقين، حتى مات من قهره وصدمته وتحامل الجميع عليه، وهذا بخلاف علي البخيتي، الأسم الذي صار من أهم السياسيين المغادرين الى هناك، وبهالته وكارزميته تفوق على المغادرين منذ زمن الرعيل القديم، ولو تذكرتم ياسين سعيد نعمان، الرجل الذي أراده اليمنيون في يوم ما رئيسًا لهم، لم يتمكن بصولاته وجولاته وعلاقاته العليا من الوصول الى لندن سوى بمنصب رسمي وقرار جمهوري وتوصيات من رئيس أعلى، كان بالفعل عاجزًا عن الوصول إلى بريطانيا، ومثله معظم السياسيين الراضخين بطريقة الإرغام والعجز في تركيا ومصر وجيبوتي وأثيوبيا وكل الدول الثانوية، معظمهم لم يتمكنوا من الوصول السياسي والمعيشي إلى مدن أهم وأعلى، لكنه صاحب ذمار، أو الرجل العبقري الأدهى، من تفوق عليهم بالوصول والإستقرار. 


أنا لا أكتب عن علي البخيتي لمصلحة شخصية، لأن كلامي هذا ربما يصيبه بالتعجب والإنكار، لكنه حقًا أدهشني في مقابلته الأخيرة مع أنور الأشول، وتنقلاته المتلاحقه في معظم الدول العالمية، حتى أن بعضها بطائرات خاصة، ورعايات عليا مهمة، وأسلوب يتجاوز الرئيس والنواب والوزراء والشخصيات الراديكالية السابقة، وحينما وصل الى الرياض، لم يمارس السياسة والخجل والتطبيل للرعاة والمستضيفين، بل قدم لهم الإقتراحات والأفكار والمصالح الشعبية، قال لهم: الجمهورية اليمنية أقرب دول العالم جغرافيًا الى المملكة السعودية، وبهذا لا يصح أن تتعاملوا مع العمالة اليمنية كتعاملكم مع عمالة الدول البعيدة والغريبة، المواطنون اليمنيون في حالة حرب، لهذا يجب عليكم أن تعطوهم مساحة أوسع، وصلاحيات أكثر مما هي للأخرين، تمامًا كما تفعله دول العالم الأخرى مع جيرانها، مصر وإجراءاتها مع السودانيين، أمريكا وقوانينها مع الوافدين اللاتينيين، أوروبا وإنسانيتها مع اللاجئين الأوكرانيين، وهذا ما يجب أن يتم بالنسبة لليمنيين في المملكة العربية السعودية. 


تخيلوا معي، هذا المقترح الجوهري لم يفكر به أحد، أو يقدمه أحد طيلة ثمانية أعوام من المعاناة والتهجير والحصار والموت الحدودي اللعين، لكنه البخيتي من فعلها، كأول السياسيين تفكيرًا بمصالح اليمنيبن في عمق الدولة الأكبر والأهم، يكمن السبب في إنفتاح الرجل، وعدم انحصاره بالتطبيل والإرضاء والنأي بالذات من قضايا الأمن القومي السعودي، أنا حقًا مندهش من هذا الرجل، وعبقريته السياسية الواضحة للجميع، ومن ناحية أخرى، هل تتذكرون مروان الغفوري حينما أساء للدين والنبي الكريم، وكيف أن الجمهور آنذاك هاجمه وتمادى في الرد عليه، ليعود باليوم التالي ليعتذر، ثم ليعلن اعتزاله بعدها عن للكتابة والسياسة وكل الأمور اليمنية، كان مروان يومها حنقًا من الجمهور الثائر عليه، بأسلوب متعالي، وردة فعل جزائية لجمهور تمادى في حقه وتجاوز حدوده، لهذا فأنه لا يستحق الكتابة من أجله، وبالنقيض منه ظهر علي البخيتي بأراء أكثر تعديًا وتجاوزًا لقناعات المتابعين مما فعله الغفوري، بل ولم يكتفي بهذا، فقد أعلن إلحاده، دون خوف أو تراجع أو إعتذار، متجاهلًا بقلبه البارد ما سيخسره أو سيحدث له في ميدان المعجبين والمجاملين، والحقيقة أن البخيتي أذا اقتنع بفكرة وأطمئن لها ضميره ومصلحته بالتوازي فعلها. وهذا مربط القوة ومتانة الجأش، ولكنه لا يترك حقه حينما يصل الضرر الى أبناءه وأسرته، وهذا بشكل خاص أسلوب مسؤول ومحترم، ومثال صادق وخالص يتجسد بموقفه الصارم مع قضية توجان في المدرسة الأردنية. 


أخيرًا وبكلمات وجيزة، الفرق الجوهري بين علي البخيتي وبقية السياسيين اليمنيين خصوصًا من ناحية القناعات والأفكار، هو أن البخيتي يُحوّل أفكاره وقناعاته وشجاعته الى ذاته وأسرته، يطبقها قبل أي شيء على حاله وحياته وعياله، أما الأخرون فسواقون يقودون الأتباع ليحققون بهم أفكارهم وشجاعتهم وطموحاتهم الصفراء، لهذا فقط وهو يكفي، البخيتي يستحق الإحترام والثناء ولكثير الكثير من التقدير. 



كل الحب 

ماجد زايد

تعليقات