حكاية الأغنية اليمنية "حراز حراز يا عالية حيودش"، من التراث الشعبي اليمني

 

ربما في السبعينات أو الثمانينات، تزوج رجل من المحويت بإمرأة من حراز، لفترة من الزمن، ثم غادر للغربة والعمل، وبقيت زوجته مع أسرته في منزله بالمحويت، لتمر سنوات على غربته، عاد بعدها بشكل مفاجئ، أخذه الشوق والحنين، وحين وصل بيته بالمحويت، تفاجئ بأن زوجته في بلادها بحراز، لكنه لم يتمهل أكثر رغم المصاعب والتحديات، في فترة ليس فيها هواتف او وسائل نقل او طرق معبدة، أخذ الرجل حاله وقرر الذهاب إلى زوجته وقريتها، حمل متاعه وغادر، بينما الأجواء ماطرة والغيوم متراصة، ذهب في سبيله وعلى لسانه كلمات يكررها في طريقه الطويل، مرددًا: يالله رضاك، يسقي الروح، يالله تفرّح قلب كل مظلوم.. 


بالمناسبة أجواء المحويت وسهولها قريبة إلى تضاريس حراز، لكنها أقل منها وعودة وارتفاعات جبلية، لساعات والرجل مسافر، حتى ظهرت أمامه جبال حراز، اقترب منها أكثر ووقف على مشارفها وجبالها وحيودها ومرتفعاتها قائلًا: حراز حراز، يا عالية حيودش، واللّه لولا الخل ما أعودش.. ثم استمر في طريقه سيرًا على الأقدام، عاشقًا من زمن المغامرين، بطلًا من روايات المنقذين، وفي طريقه الشاق نزل المطر الغزير، فعمت السيول أرجاء الأودية والسهول والطرقات، حاول خوض الاماكن الماطرة بقدميه قبل حلول الظلام، لكنه عجز عن السير وتوقف من شدة السيول المتدفقة، ليقف على أطلال السيل قائلًا: يا سايلة، يا سايلة، يلي ملانش السيل، فكي طريق للعاشقين قدو ليل.. 


بقي منتظرًا عاجزًا عن تجاوز السيل، ومع طول الإنتظار راودته نفسه بأفكار أخرى، سولت له بأن يعود طريقه وبتزوج بإمرأة أخرى من بلاده، ليتخلص من هذه المعاناة الشاقة والمرارة غير الواردة، عندها تدخل قلبه العاشق الولهان في الرد على نفسه وتحريضاتها، ليقول حينها: والله لو ادوا بالمدغنج أغنج، ما حب الأول في فؤادي أحنج.. 


وهكذا ظهرت في تراثنا اليمني أغاني شهيرة جدًا من عبارات هذا العاشق المحويتي، أغنية حراز حراز يا عالية حيودش، وأغنية يا سايلة ياللي ملانش السيل،. وهي أغاني بسيطة في كلماتها، لكنها صادقة في مدلولاتها، لتصير أغاني فريدة ورائجة وجميلة، وهنا يكمن السر، بين شاعر الإتقان، وشاعر الكلمات البسيطة، الأغاني ذات الدافع الأبسط والأصدق، تكون اكثر انتشارًا وتفننًا من بقياتها.. المجد لصاحب المحويت، الذي لا أحد يعرف إسمه.. 

تعليقات